فلكلور شعبى

أمثال شعبية متداولة نسمعها ونقولها كل يوم دون معرفة المناسبة التى قيلت فيها أو متى قيلت .

ومن خلال هذا الجزء سوف نعرض مثل من هذه الأمثال ونقدم لكم .

مع خالص حب ومودة الشعب المصرى , على مدى تاريخه الطويل , الممتد من العصر الفرعونى و!لى الآن .

أو كما اسميه النهر تحت النهر .

فهذه الأمثال نعيشها كل يوم دون معرفة جذورها الحقيقية .

وسلام لخيال الجماعة الشعبية .

الأربعاء، 9 يوليو 2025

صورة المرأة في المثل الشعبي

 

المرأة فى المثل الشعبي

صفاء عبد المنعم  


(يا عبد ما لأفكارك تنعطف على أفكارك، وما لهمومك تبيت وتصبح فى همومك، أنتَ ولي وأنا أولى بكَ)

                           - النفري -     

--------------------------------------------------------------------------------------         


مقدمة 

---------  

أعرفُ أنه سيغضب مني الجميع(رجال ونساء)!

الرجال(لتعرية)أفكارهم المخبأة تحت طيات الثياب من أفكار سابقة لم يساههموا فى صنعها، ولكنهم توارثوها جيل بعد جيل.

والنساء(لكشفت المستور)عن الصمت، وعما يحدث لهن سراً أوعلانية، من خلال الأفكار والصور الذهنية الجاهزة، والعادات والتقاليد والمقولات سابقة الصنع فى أزمان سابقة. (أزدواجية الفكر)والأمل فى جيل جديد يعي هذه الأفكار ويتم تجاوزها بالعلم والعمل، جعلتني أبحث فى المثل الشعبي.

لماذا؟

لأن المثل سهل التنقل، ولأنه يوجد المثل ونقيضه يقال فى كل مناسبة، مرة من وجهة نظر القائل وحسب الظرف الذي قيل فيه، فهو محمل بدلالات ورموز، وهو مختصر يلخص الحالة الشعورية أو الهدف منه فى بعض كلمات دقيقة ومعبرة بأسلوب منغم به كثير من السجع، حتى يسهل حفظه، ويسهل للجماعة الشعبية الحذف والأضافة ويمكن لنفس المثل أن يقال عن المرأة أو الرجل فى نفس الموقف أو الظرف.

فى التسعينيات عندما حدث مشكلة(فتاة العتبة)قام شاب بفض بكارتها على سلم الأتوبيس فى شهر رمضان(المعظم)الذي تقيد فيه الشياطين، ولكن الإنسان الشيطان لا يقيد فهو حر طليق ولا يراعى حرمة. وبعدها حادثة(فتاة المعادى)التى خطفها ثلاثة شباب وهى تسير مع خطيبها وتم أغتصابها. وتتوالى الأحداث مقتل(المذيعة)الشهيرة على يد أبنها وهى تصلي حتى يضمن لها دخول الجنة، وغيرها وغيرها حتى نصل إلى حادثة(فتاة المنصورة)فى عام 2022 والتى ذبحت أمام باب الجامعة من قبل زميل لها يدعي أنه(يحبها)وهى ترفض الأرتباط به، ثم الآن حادثة فتاة(بورسعيد)التى فسخت خطوبتها، فقتلها خطيبها، وغيرها وغيرها فمسلسل الدم لن يتوقف، إلا،إذا عرفنا أصل المشكلة، وعملنا على حلها، وعقاب حاسم لهؤلاء المستهترين بأرواح الآخرين.

لماذا يحدث كل هذا للمرأة تحديداً؟

هذا السؤال ظل طوال سنوات طويلة يهدد أمن وأستقرار كثير من الأسر بسبب القلق على بناتهن، فيتم سجنهن أو تزويجهن سريعاً حرصاً على حمايتهن لأن المرأة(عوررة)وضعيفة وقليلة الحيلة وغير قادرة على حماية نفسها.

وسوف يظل المجتمع يسير من سيء إلى اسوأ طالما مازالت هناك أفكار راسخة لا يتم مناقشتها، وطالما يربى الولد بطريقة(مغايرة)أو مختلفة عن البنت داخل الأسرة الواحدة، فهو له الحرية المطلقة يفعل ما يحلو له على أعتبار أنه ولد، وهى لها كل القيود.

ومن خلال هاجس أنني أم.

ظللت أجمع المواد والأمثال التى تشير عن قيمة وصورة المرأة فى المجتمع.

ولماذا وصلنا إلى هذا الحال الآن من الأفكار(المتشددة)وأخذ البعض يفكر نيابة عن المرأة بمنطق(الوصاية)وبحجة أنه يعرف مصلحتها، ويمتلك ذلك الحق(الأب والأخ والزوج والأبن)

وللأسف الشديد تظل المرأة هى الحاملة لهذه الأفكار(الموروث القهري)وتنقله من جيل إلى جيل فتربي الولد على أنه(دكر)جدع قوي حامي الحمى، والبنت على الخنوع والضعف والأستكانة، ويصبح مثل(موت البنت يا هنا لو عطرها على القنا)يتردد من جيل إلى جيل، فوجود البنت غير مستحب لماذا؟ بسبب ما تجلبه من عار فهى التي(تجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار) تحمل وتلد فيجب أن يكون هناك ثقة كاملة فى نسب هذا المولود عن طريق التشدد والمغلاة.

أما الولد فهو الوارث(لما قالو دا ولد أنشد ضهري وانسند)فهو السند لماذا؟ لأن المجتمع الذكوري يحبذ هذا.

لماذا كل هذا الضعف إذاً للمرأة؟

المرأة فى العصور القديمة كانت إلهة(الربة نوت وإيزيس)وكانت ملكة(حتشبسوت، بلقيس، زنوبيا)وكانت ربة العدالة(الإلهة ماعت)ورمز القوة والبطش(الإلة سخمت)

إذاً كيف الخروج من هذا المأزق التاريخي؟

 لا يصلح بالأمنيات وحدها(ربنا يصلح الحال، ويصلح أحوال البلاد والعباد)ولكن بالعمل على هذا الموروث الثقافي / الجمعي / الشعبي، ولماذ أندثرت قيم كانت موجودة فى المجتمع سابقاً، وحلت محلها موروثات أخرى وافدة علينا(ثقافة البداوة).

هل للدين دخل بما وصلنا إليه؟

وهل اللغة التى نتعلم بها ونقرأ بها لها يد فى ذلك التحول؟

 مصر مجتمع زراعي :

 لوجود النيل(الإله حابي) ووجود الأرض السوداء الجيدة للزراعة(كيميت)وبسبب مساعدة المرأة للرجل فى الحقل والبيت، كان يتم أختيار العروس على أساس العمل بشكل مذهل (شاطرة تغزل برجل حمار)ولديها قوة حيوان، ولقد وصفها بالجاموسة أو البقرة وأحتمال حصان كما وصفها بأنها حمارة شغل أو جمل صابر وحمالة آسية.

سياق ثقافي تحتل فيه الثنائيات موقعاً هاماً مثل ثنائيات الشرق والغرب، الشمال والجنوب، الخير والشر، النظام والفوضى، الليل والنهار التى تزخر بها حضارة المصري القديم، إن ما يسمى بالنصوص السحرية والتعويذ قد يكون وريث شفهي عتيق قد يعود الى عصر بداية الأسرات. وهناك نصوص درامية – ترانيم – أبتهالات ومدائح – نصوص سحرية – نصوص طقوس فتح الفم وهذه النصوص نتاج لخيال شديد التحرر.

الأبن البكر:

أحتل الأبن البكر مساحة هامة فى الأسرة(أول فرحتنا) وعند الأم(السند).

ما تقوله نوت العظيمة المضيئة :

الملك هو أبني البكر الذى جاء من رحمي، هو محبوبي الذي أرضى عنه.

ونرى إلى الآن مازال الأبن(البكري)أول الفرحة فى الأسرة المصرية يحظى بالرعاية والحب من كلا الوالدين ومن أمه خاصة( أصله البكري حبيب أمه)ومازال هذا المثل شائع إلى الآن حتى ولو كان هذا البكري فاسداً وشريراً .

خلق الطبيعة :

خلق الله الطبيعة وهى كالمرأة الجميلة التى جعلها الله سيدة العالم، فهى تنتج بذور الحياة الطبيعية، وقد رأت فى الإنسان صورة الله فأحبته وتوحدت معه، وهذا مثل أمتزاج الروح والجسد. وقد منحَ الله الإنسان هبة عظيمة هى القدرة على التناسل، ثم أنه قدر لهذا الأمر أن يكون حباً مقدساً، يشكل زواج المادة بالروح فى خلق العالم، إن رباط الزواج المقدس يوحد الرجل والمرأة حتى يشارك كل منهما الآخر صفاته الجوهرية. وبكلمته خلق شكل المرأة، وكانت(حلوة)حتى أن الملائكة صعقت من جمالها، وفى لحظة أختلاط الطبيعتين، تكتسب الأنثى قوة الذكر، ويسترخي الذكر فى أحضان الأنثى، وهذا الحدث الحلو المكرس الذى نحتفي به يتم فى خفاء، فلو أنه تم علنا أمام عيون دنسة، فقد يسخر الجاهل، وسوف تنسحب القوى الربانية من الجنسين حياءً.

الجماعة الشعبية :

إن الجماعة الشعبية ليس من طبيعتها الأحتفاء بأسم المبدع الفرد مهما تكن عبقريته، ولكنه يعتمد فى ذيوعه وأنتشاره على التداول الشفاهي بين أفراد الجماعة.

المبدع الشعبي :

فرد تنتدبه الجماعة الشعبية معبراً بها وعنها ولها على هذا الترتيب الموضوعي المحدد، وما يتجلى عن هذا الموقف من أعتقادات، وتصورات وفعاليات، ومماراسات من بينها الفاعالية الجمالية(فعالية التشكيل الجمالي)كما يستند هذا المبدع إلى المنظومة القيمية للجماعة.

الأدب الشعبي :

الأدب الشعبي لا يعرف له مؤلف لأنه حصيلة الجماعة وهو الأدب الصادق الذى يخرج من الروح/الشاعر فى صورة كلمات، فهو ينبع من دافع طبيعي ومن المشاعر الفطرية التى تعيش داخل الإنسان.

اللغة :

جزء من الثقافة والمجتمع الذين توجد فيهما، وكل لغة تعكس الخلفية الثقافية للأشخاص الذين يتكلمونها، واللغة وسيلة لنقل التجارب والإنسانية والتعبير عنها فى صورة معينة.

بحيث يعبر الإنسان عن أفكاره فى كلمات، والكلمات ذاتها تساعد على صياغة وتشكيل أفكارنا واستخدام اللغة لتوصيل ونقل المشاعر أو أثارتها.

والجماعة الشعبية لا تعرف الدهشة، لأنها دائمة المراقبة للواقع وهى أيضا غير متغرقة فى التأمل، لذا نجد أن المثل ونقيضة يمكن أن يقال فى نفس الجلسة.

وهى لا تعرف الشك، لأنها تعتقد فى الايمان إلى جانب العمل، وتتخذ النصح المؤقت وسيلة لها(أنا نصحتك وأنتَ حر)ومن هنا هى تنتخب من بينها فيلسوف تتوافر فيه هذه الصفات  (حكيم)ليقوم بدور الراوى بديلاً عنها، ويحق له التبديل والتعديل وفقاً للعصر والبيئة المحيطة به، فالمثل يمكن أن يختلف من جيل إلى جيل، وهناك أمثال تترك لفترة من الزمن ثم تعاد صياغتها وتقال فى زمن أخر، وفقا لمعاير هذا الزمن والموقف الذى قيلت فيه.

الطبقة الوسطى :

رمانة ميزان المجتمع، حاملة شعلة العلم. هل يوجد المتحف الذي يليق بهذه الطبقة؟

حاملة مشعل الثقافة والحضارة والأخلاق؟ والتى تكونت منذ عصر محمد علي، وإنه إلى الآن لم ننتبه بعد لأهمية ذلك، وربما فى زمن ما يرى أحفادنا متحف ضخم كتب على بابه

(متحف الطبقة الوسطى)

يعرض داخله(الثياب،والحلي،والأخلاق،والقيم،العادات،والتقاليد،والدين)ونقرأ الأساطير عنهم، وربما لا مانع من بث بعض الخرافات الخاصة بهم.

واليوم تعالوا نتأمل ما يحدث.

سقطت طبقة الموظفين سقوطاً مروعاً، تفشى اللامبالاة والأتكالية وظهور الغيبيات.

تأويل النص الديني حسب أهواء(الجماعات المتأسلمة)إقصاء العلم مثلما حدث مع الثقافة.

فالمؤسسة لا تتبنى سوى ثقافة(المهرجنات)والسياحة والتسوق، الشرة الإستهلاكي وتبعاته.

إبعاد نخبة بعينها من واجهة المجتمع والإعلام، يلعب دوراً أساسياً فى تصدير( أنتلجيسيا) مختلفة.

هل بقى شيء للطبقة الوسطى تتكيء عليه؟

حتى(قوت اليوم)والستر الذى كانت تحتمي به أختفى!

فى الأونة الأخيرة ظهرت مصطلحات وأخلاقيات غريبة على الشارع المصري، خاصة بعد الإنفتاح الأقتصادي(الإنفشاخ)كما يقول العامة عنه فى السبعينيات، نحن لا نلقي اللوم على الإنفتاح وحده، ولكن لا ننكر أن العنصر الإقتصادي محرك هام وفعال، فمن يملك قوت يومه يملك حريته.

ومع هذا الإنفتاح دخلت أساليب جديدة للكسب(الشطارة،الفهلوة،السمسرة،التهليب..الخ) وهذا الكسب يعتمد على السرعة وأستغفال الآخرين، وأنزرعت الأشجار الضارة وسط مناخ متخبط، وسقط سلم القيم الإجتماعي، وأصبح ري الأشجار بأى شكل أو أى طريقة ولو بالدم.

وكان لظهور هذه الطبقة الجديدة من صغار التجار(النيوريتش)وسقوط مروع للطبقة الوسطى بما تحمله وتحافظ عليه من(قيم وأخلاقيات وعادات وتقاليد وعلم وثقافة)فهذه الطبقة تحديداً الأكثر تشبثاً بكل ما سبق.

ونمى الأخرون بسرعة البرق وأصبح لا بد من سيادة نمط(أستهلاكي / أخلاقي /ثقافي / ديني) مختلف، وسقط مساتير الناس طبقة صغار الموظفين والملاك، فصارت تنتمي أقتصادياً للطبقة الشعبية، أخلاقيا وثقافياً إلى لا شيء، أصبحت مثل الديناصورات لا بد من وجود متحف تحنط داخله( قيمها ومعتقداتها وثقافتها وعلمها).

المناخ العلمي :

رفض المسلمات القديمة التى أكتسبت صفة القداسة عن غير حق، وأستمرت بأعتبارها حقائق لا تقبل النقض أو حتى إعادة النظر.

المناخ العلمي هو الذي يمكن فى أطاره أن تناقش هذه الأحكام والنتائج، بهدف الوقوف عند التراث وقفة متأملة ناقدة، تؤصل للإيجاب منه وتحاول أن تنفي جوانبه السلبية، لكي تضع أساساً يمكن أن تنطلق منه النهضة الحديثة.

فقدرة المصري على السخرية حتى من نفسه وهى سمة أساسية وأصيلة فيه ومازالت إلى الآن.

وقدرته على تقديم صور تشبيهية حريفة وفجة للسخرية ممن يتصفون بسلوكيات أو ذميمة، وكل ذلك يقوم فى شكل تثبيتات بليغة ودقيقة التصوير(دمعة القحبه سحبه)المصرى : ساخر، ذكي، فطن، عاشق للأستقرار، فنان طيب عفوي.

إن أرتقاء الفكر وأزدياد المعرفة لا يقتضيان بالضرورة أرتقاء فى الأدب والأخلاق، لأن حكم الحال غير حكم المنطق والمقال، فقد تنمو المدارك العقلية ويتسع أفق الخيال والتفكير، وتجمد مع ذلك العواطف، وتجف الميول وتنضب ينابيع الرحمة المنسجمة مع القلب، فليس كل أرتقاء عقلي مصحوباً بأرتقاء خلقي وقد تعرف الشيء ولا تعمل به، وتدرك الواقع ولا تفكر فى أصلاحه.

الفلاح :

الإنسان المصري يقدس(الأم)ويقدس بيته ويحبه ويدعو إلى صلة الرحم، رغم حذره من الأهل وتحسبه منهم، إذ أن له دستوره فى الحب والعشرة والصداقة والجوار.

ونادراً ما كان أعزب، فهو يقدس الزواج، ويحرض عليه مبكراً، يقدس الحياة الزوجية، ويسعد بالإنجاب، وعلاقته بأبنائه طيبة بل رائعة، ويفضل الذكور على الإناث، ذلك لأنه يؤمن بديمومة الحياة ومن هنا فأبناؤه أمتداد له ولحياته، والمصرى يقدس الأموات، ويعتقد فى نفوذهم وتأثيرهم فى حياته، ذلك أنه يؤمن بالأساطير، والأولياء وبركاتهم. فالشعب المصري شعب متدين، يؤمن بالروحانيات، لديه إيمان عميق فى أمل موعود، لذلك فهو زاهد يرضى بالقليل وهو مبالغ فى مشاعر حزنه وفرحه وحتى أكله، وهو يتميز بالذكاء والتلقائية والعيش على الفطرة، والمصرى يتمسك بالقديم والموروث.

ومن سلبياته، الأنا وانعدام روح الفريق، والنهم والأستهلاك والتواكل والسلبية والإنكفاء على الذات والنجومية وحب التفرد، وأختفاء التفاؤل بعد أن كان سائداً من قبل.

المرأة :

الأم هى العنصر الأهم والمؤثر فى الشخصية، والنساء هن مجموع الأمهات ومن الأكثر ترديداً واستخداماً للأمثال الشعبية، وهن اللاتي أطلق عليهن(د. سيد عويس)لقب(حاملات الثقافة الشعبية)وهن بحق من حافظن على هذا التراث بكل قيمه وفلسفته العميقة(اللي ما يقدر على البقرة وعليقها يخلى من طريقها).

إن المثل العامي(الشعبى)هو ما يردده العامه عن طريق الرواية الشفاهية.

وهو الحصيلة الشفاهية لخبرة الشعب اليومية وتجربته السلوكية فى الحياة، وإن المصدر الحقيقي للأمثال هو الشعب(راسل)المثل هو حكمة الجماعة وذكاء الفرد، وأن تكون الجملة عامية الأسلوب، وهذا يفسر الصور القديمة فى المعبد نشيطة مرحة للحقول والحوانيت والأسواق، بينما الحديث يمثل المراسيم التى تهييء الإنسان لعالم ما بعد الحياة.

وكان هذا التحول فى القرن 16 قبل الميلاد تحولاً خطيراً فى ديانة المصريين.

فالمجتمع الشعبي(مجتمع صغير منعزل أمي)متجانس يؤلف بينه إحساس قوي بالتضامن الجماعي، ويمكن أن يمثل العامة(سكان الريف، والطبقات الشعبية فى المدن).

فالرجل العامي له منحاه الخاص فى التفكير والتعبير، وطبيعة تنفر من اللف والدوران(إحنا هنلف وندور على بعض)أو الإبهام والغموض، إنه ساذج فطري بسيط، لأن العاطفة العامية بدائية بسيطة غير معقدة، وهى تتعامل مع الفكرة الواضحة، وهو ينتزع أسلوبه وصوره من البيئة التى يعيشها ويتحرك فى داخلها كل يوم، وهذا التحول حدث نتيجة أن الحياة قد تحولت من وجود فى هذه الدنيا فردي شديد النشاط يكافأ بمثله فى الآخرة إلى حياة أنتمائية شكلية فى هذه الدنيا، وذلك لأن الفرد ضاق عليه أفق الحياة فأشير عليه بالخضوع لأنه موعود بالخلاص من ضيق هذه الدنيا عن طريق عالم أفضل فى الآخرة، وهذا العالم الأفضل لم يعد من صنعه هو بل جاء هبة من الآلهة، ألهة الخير(الشمس، النيل، الريح الشمالي)وألهة الشر(أبو فيس، ست، سخمت)

وظائف الشيطان :

في الدولة القديمة، كان الرجل يحث على العناية بزوجته لأنها(حقل مفيد لصاحبه)أما فى الدولة الوسطى الحديثة، يحث على تذكر صبر أمه وحدبها عليه، ولذا فإن عليه أن يعامل زوجته بموجب أمتنانه وحبه لأمه.

تعامل الرجل مع المرأة على مدى تاريخ طويل بوصفه المالك للحقيقة(القوة)والمسيطرفى الآن ذاته، وتلك القوة يستمدها من شروط تاريخية ودينية وفكرية وأقتصادية، فهو خالق التصورات والمناهج التى يجب أتباعها والتى تجسدت فى أنه أصبح هو الكيان الأوحد(المطلق)صاحب السلطة، وهى الكائن الأضعف(الأقل قوة)الأدنى، وعلى الأدنى أن يتبع الأقوى وينفذ ويعيش بشروطه.

ولقد تجسدت تيارات نسوية مختلفة وكثيرة حول إزاحة هذا المفهوم، وهو أن الرجل هو الوحيد – الملك – للمعرفة، وهى(المرأة)كان يراها دائماً فى الوضع الثابت الذي لا يتغير، فهو ينظر لها على أنها كتلة(لحم)وليست إنساناً حراً، كامل الإرادة له الحق فى القبول والرفض أو له ملامح فردية مختلفة ومنهج تفكير قد ينتج أليات مغايرة لمعرفة جديدة أو مختلفة، ولابد من تشكل الأنا(الذات الأنثوية)من خلال وعيها، وأكتشافتها لأبعادها التاريخية للقوة الكامنة داخلها من خلال ثقافتها الخاصة بها والتي تكونت عبر سنوات طويلة من(التهميش)ومن خلال الوعى بالذات(الأنا)سوف يتم قراءة الآخر لنفسه(الرجل)ويتم فض التشابك القائم عبر سنوات طويلة عن معنى(الحرية)فسوف يتم التعامل فى المستقبل(أنا ذات أمتلك قوة موازية لقوة الآخر) وليست ضده فى الأتجاه.

ويجب المشاركة الفعالة من حيث أنا وأنتَ وربما الإتحاد(أنا/أنتَ)فلا يصبح هناك هامش منفي مقصي الي أبعد حد عن المشاركة فى القرارات(السياسية والاجتماعية..الخ)ومتن مسيطر صاحب نفوذ يمتلك مسرح الأحدث وهو المقرر الوحيد بما أنه صاحب القوة، فيغيب الآخر من خارطة تفكيره تماماً، ومن هنا يبدأ طرح سؤال هام وضرورى.

ما هى أهمية طرح وعي نقدي خاص بالذات والوعي النقدي الضدي خصوصاً؟

من خلال الإجابة على هذا السؤال كل على حدة(الرجل – المرأة) ومعرفة إمكانية قدرات الأنا والأنا الآخر، سوف يتم التفاعل الحقيقي من خلال نقد الذات، على المرأة أن تنقد سلبيتها وأسباب وجودها، وعلى الرجل أن ينقد قوته وأسباب أمتلاكها، ثم بهذا الوعي المضاد، ينقد كل منهما الآخر :

لماذا أنا قوي؟

لماذا أنتِ ضعيفة؟

من خلال هذا الوعي والمناقشة الجدلية سوف تتبلور الإجابات ليست الجاهزة، ولكن الإجابات التي تم أكتشافها من خلال البحث وطرح الأسئلة والنظريات السابقة المغلوطة والتي كرست دائماً وعلى مر عصور طويلة من القهر، أن هناكَ قوي وضعيف، هذه الثنائية الضدية المستهلكة والمستمرة، لكن بالوعي النقدي لي وللآخر، سوف يتم تفاعل وإيجاد ثالث ورابع وخامس إلى ما لا نهاية من الإمكانيات للتعايش الإيجابي، ومن خلال أنه لا يوجد مصدر واحد (عارف)للحقيقة ومشرع لها، ولكن هناك تعدديات وكثير من الحقائق والإفتراضات، لابد من وضعها فى عين الأعتبار أثناء الحديث مع الآخر(أنه ربما يملك حقيقة موازية)أو مختلفة أو أقوى من الحقيقة التي أمتلكها وأصدرها له، وعلى المرأة الواعية بمعنى(النقد الضدي)أن لا تقع فى شراك مسمى الصفاء والكلية(أدورد سعيد)لأن معنى ذلك هو الوقوع فى براثن الآخر وأستفادته لإصلاح وتقوية ذاته للعودة مرة أخرى(للقمع)من جديد وبأسلوب مغاير، لأنه نقد أدواته وطورها، وأستغل نقاط الصفاء للأستلاب، وهذا ما يحدث واضحاً وجلياً الآن فى الظاهرة الأسلامية الحديثة، وقمع حديث لجسد المرأة من أرتداء(الإيشارب،الخمار،النقاب، الإسدال)من باب العفة/الطهارة، الفرض الديني، وأنها هى صاحبة الإختيار.

ومن باب تفشي مقولة(الدرة المصونة والجوهرة المكنونة)أو المنادة بعودة المرأة إلى البيت لأتاحة الفرصة لعمل الشباب أو(قرنَ فى بيوتكنَ)وما إلى ذلك فهى دعوات قد تعالت ومن المرأة وهى التى تنادي بذلكَ، مع العلم أن نسبة عمل المرأة لا يتعدى 2% من النسبة الكلية، أو قد تزيد قليلاً بسبب صفاءها مع نفسها وتقربها إلى أصول الدين وأتباع(السابقون،السابقون)

إذن هى هنا وقعت فى شراك الكلية ثانية بطريقة جديدة، وأسلوب قمع مغاير عن السابق.

وسيصبح هناك القدرة المدهشة على الإقناع بأسلوب علمي حديث وأستخدام التحليل والمناهج لمناقشة أمور قد تبدو عادية وتفاهة لأنها فى العمق الغائر هى من أسباب الإستلاب، والقدرة على رصد دقيق لأبعاد الظواهر الحديثة يضيئها إضاءة الرجل أضاءة فذة.

وهكذا هو أستفاد من نقدكِ له، ونقدكِ لذاتكِ، وطور أدواته، ودخلتِ أنتِ معترك جديد من الإستلاب الجديد والمتواصل، وسيعيد أنتاج مقولات جديدة (للدين والثقافة والسياسة واللغة..الخ) لصالحه وأستمراره، وتظل المرأة على الهامش دائماً، ولا تدخل إلى المتن.

- صفاء عبد المنعم -        

---------------------------------------------------------------------------------------